عندما غادر ديفيد بيكهام ملعب "أولد ترافورد" مساء الأربعاء الماضي في أعقاب المباراة التي جمعت بين فريقه الحالي ميلان وفريقه السابق مانشستر يونايتد في دور الستة عشر لدوري أبطال أوروبا في مباراة شهدت تحية خاصة من جانب الجمهور الإنجليزي الذي تسابق لالتقاط الصور التذكارية مع نجمه ومعشوقه، توقف بيكهام رداً على أحد الأسئلة التي وُجهت إليه بشأن إعلان فابيو كابيلو مدرب المنتخب الإنجليزي أن بيكهام سيكون أحد العناصر في قائمة المنتخب الإنجليزي في حالة حفاظه على لياقته البدنية بصرف النظر عن مشاركته مع ميلان من عدمه، حيث قال بيكهام "مكاني في منتخب انجلترا ليس مضموناً".
وحتى صباح الأمس، لم يتمكن أكثر الجراحين تفاؤلاً من نفي فكرة ابتعاد بيكهام عن الملاعب إلى منتصف يونيو على الأقل بعد إصابته في وتر الاخيل مساء الأحد الماضي، بل إن الواقع يؤكد على أن النجم الإنجليزي لن يعود إلى المستطيل الأخضر قبل منتصف سبتمبر القادم، ووقتها لن يتبقى أمام بيكهام سوى أربعة شهور لبلوغ عامه السادس والثلاثين. ومن الصعب جداً في هذا السن أن يستمر بيكهام في اللعب الدولي، لكنه قد يستمر في مسيرته في الدوري الأمريكي لكرة القدم خاصةً وأن صفقة إعارته إلى ميلان ستنتهي وهو لا يزال مصاباً.
وكانت الدقيقة 88 من مباراة ميلان مع كييفو التي فاز فيها ميلان قد شهدت خروج بيكهام من الملعب على قدم واحدة بعد تعرضه لهذه الإصابة الخطيرة في مشهدٍ مؤثر للغاية انهمرت معه دموع النجم الإنجليزي وأعاد معه إلى الأذهان ما حدث قبل أربع سنوات تقريباً عندما خرج اللاعب نفسه مصاباً في آخر مباراة لانجلترا في كأس العالم الماضية أمام البرتغال في الدور ربع النهائي. وبعدها بوقتٍ قصير، تنازل بيكهام عن شارة قيادة المنتخب الإنجليزي الذي خرج بيكهام من حساباته خلال الصيف الماضي، ولا شك أن بيكهام يُمني نفسه منذ ذلك الوقت بالعودة إلى صفوف المنتخب الإنجليزي للمشاركة في كأس العالم للمرة الرابعة لتأتي هذه الإصابة في وقتٍ بالغ الحرج قبل أقل من 90 يوماً على انطلاق كأس العالم، حيث أصبح بيكهام الآن في حاجة إلى معجزة للسفر إلى جنوب أفريقيا، لكن العزيمة والتصميم والإرادة والمهارة التي يتمتع بها النجم الإنجليزي قد تشكل بعداً آخر في الموضوع.
وما أود أن أشير إليه هو أن بيكهام لديه قدرة خاصة في التعامل مع الإصابات والتعافي منها، فعلى مدار تاريخه ومسيرته مع المستطيل الأخضر تعرض بيكهام للعديد من الإصابات التي نجح في التعافي منها في وقتٍ قياسي، ومن أشهرها إصابته بكسرٍ في مشط القدم قبل وقت قصير من كأس العالم 2002. لكن ينبغي على بيكهام إذا كان يرغب في العودة قبل يونيو القادم تحدي عامل الوقت بكل ما لديه من عزيمة وإصرار. وفي الحقيقة، ظهر ميلان بطيئاً في المباريات التي لعبها مع ميلان منذ انتقاله إليه في يناير الماضي، وكانت مباراة ميلان مع كييفو هي المباراة الثانية التي دخل فيها بيكهام التشكيلة الأساسية للفريق، لكنه كان في أفضل حالاته وكان قريباً من التهديف في أكثر من مناسبة، كما نجح في إرسال العديد من الكرات العرضية المؤثرة إلى ماركو بوريلو ليعود ميلان بهذا الفوز المهم إلى دائرة المنافسة مرةً أخرى في الكالتشيو الإيطالي.
إلا أن النهاية لم تكن سعيدة بعد إصابة بيكهام في الأمتار الأخيرة من المباراة لتلقي هذه الإصابة بظلالها على الميلان الذي رفض الاحتفال بالفوز، حيث قال ليوناردو مدرب الفريق "لا يمكننا الاحتفال بهذا الفوز، فنحن جميعاً نشعر بحجم الأسى الذي يعيش فيه بيكهام الذي كان أحد نجوم الليلة". من جانبه صرح أدريانو غالياني نائب رئيس الميلان أن هذه المباراة كانت آخر مباراة لبيكهام مع الميلان ما لم يتم التعاقد معه للموسم القادم للمرة الثالثة على سبيل الإعارة.
وعلى الرغم من انضمام بيكهام إلى ميلان لهذه المدة القصيرة الذي حظي فيها بتقدير من جانب الجميع، إلا أن التاريخ سيذكر في النهاية أن بيكهام لعب لثلاثة من أكبر الأندية الأوروبية وهم مانشستر يونايتد وريال مدريد وإيه سي ميلان، وأعتقد أن رغبة بيكهام في كتابة هذه الأندية في سيرته الذاتية يفوق رغبته في كتابة ناد مثل لوس انجيليس غالاكسي الأمريكي الذي انضم له بيكهام منذ عام 2007. وفي الحقيقة، تعامل بيكهام مع الموقف بذكاء ورأى أن الغاية تبرر الوسيلة حين انضم إلى الميلان على سبيل الإعارة ليثبت لفابيو كابيلو أنه في حالة بدنية وفنية عالية وأنه يستطيع أن يكمل مهمته مع المنتخب الإنجليزي، وأنه يستطيع اللعب في أحد أقوى الدوريات الأوروبية ليؤكد على أنه يستحق أن يكون ضمن القائمة النهائية التي ستسافر إلى جنوب أفريقيا.
ويبدو أن كابيلو قد اقتنع بما يقدمه قائد انجلترا الأسبق مع الميلان ورأى أنه يستحق مكانا له في المنتخب الإنجليزي خاصةً أنه وضع نصب عينيه الخبرة الكبيرة التي يتمتع بها بيكهام في هذه المناسبات وقدرته على الاستحواذ على الكرة وتفوقه في إرسال كرات عرضية خطيرة بل وإحياء كرات من لا شيء. ومن ثم فإن حديث بيكهام مع الصحفيين في "أولد ترافورد" مساء الأربعاء الماضي بشأن عدم ضمان مكان له في صفوف المنتخب الإنجليزي بعد دخوله بديلا للميلان في الشوط الثاني للمباراة التي شهدت هزيمة مذلة للفريق الإيطالي ربما يأتي في أعقاب النتائج السيئة للميلان في الآونة الأخير خاصةً أن بيكهام أكد في النهاية على أنه يعتقد أنه يقدم مستوى جيد في الفترات التي يشارك فيها.
وعلى الرغم من التعاطف الكبير مع بيكهام نتيجة الإصابة التي وضعت حداً لآماله وتطلعاته في الذهاب إلى كأس العالم للمرة الرابعة لتحقيق رقم قياسي لم يسبقه إليه أي لاعب إنجليزي، إلا أن الشعور العام السائد بين جماهير ميلان والجمهور الإنجليزي أن غياب بيكهام لن يؤثر على مسيرة الميلان في الدوري الإيطالي أو مسيرة المنتخب الإنجليزي في جنوب أفريقيا. وغلى بيكهام الآن أن يوجه التحديات التي وقفت عائقاً أمامه في تحقيق أهدافه.